أنواع الإدغام في التجويد

أقسام الإدغام الكامل والناقص

الإدغام علم من علوم التجويد التي تتصل اتصالًا وثيقًا بتلاوة القرآن الكريم، وهو من الأدوات الرئيسة التي تكشف مدى تمكُّن القارئ من أداء الحروف وتجويدها وفق ما نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتلقي والمشافهة. وتأتي أهمية هذا العلم من أهمية القرآن نفسه، إذ لا يُمكن أن يُؤدى على وجهه الصحيح إلا بفهم دقيق لأحكام النطق والتلاوة. ومن بين هذه الأحكام الدقيقة يأتي “الإدغام” كأحد أبرز أحكام النون الساكنة والتنوين، وينقسم إلى “إدغام كامل” و”إدغام ناقص”، ولكل منهما أقسام وتفريعات.

في هذا المقال المطوّل، سيتم تفصيل أقسام الإدغام الكامل والناقص، وشرح شروط كل منهما، وبيان الفرق الدقيق بينهما، مع دعم الشرح بالأمثلة التطبيقية من القرآن الكريم، وربطه بمفاهيم الصوتيات واللسانيات العربية القديمة والمعاصرة.

تعريف الإدغام لغةً واصطلاحًا

لغةً: الإدغام مأخوذ من الفعل “أدغم” أي أدخل، ويُقال “أدغمت الشيء في الشيء” أي أدخلته فيه فأصبح جزءًا منه، وذابت ملامحه الأولى.

اصطلاحًا: هو إدخال حرف ساكن في حرف متحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشددًا، يرتفع اللسان عنه ارتفاعًا واحدًا. ويكون ذلك في سياق اتصال حرفين متجاورين، أولهما ساكن والثاني متحرك، بشرط أن يكونا من الحروف التي يجوز فيها الإدغام.

الإدغام في علم التجويد

يُعد الإدغام أحد الأحكام الأربعة للنون الساكنة والتنوين، وهي: الإظهار، الإدغام، الإقلاب، الإخفاء. والإدغام بدوره ينقسم إلى قسمين أساسيين:

1. الإدغام الكامل

2. الإدغام الناقص

والفرق الجوهري بينهما يتمثّل في بقاء أو ذهاب صفة الحرف الأول (النون أو التنوين) بعد الإدغام.

أولاً: الإدغام الكامل

تعريفه: هو إدغام يذهب فيه الحرف الأول (النون الساكنة أو التنوين) وصِفاته كليًا، فلا يبقى له أثر لا لفظًا ولا صفة، ويُصبح الحرف المُدغم فيه هو الظاهر تمامًا في النطق.

شروطه:

• أن تكون النون الساكنة أو التنوين في نهاية الكلمة، ويأتي بعدها حرف من حروف الإدغام الكامل.

• أن يكون الحرف الذي يليها من الحروف التي تُدغم فيها إدغامًا كاملًا.

حروف الإدغام الكامل: هي أربعة حروف من مجموعة “يرملون”، وهي: ي – ر – م – ل، إذ تُجمع في عبارة: “يرمل”.

أنواع الإدغام الكامل:

1. إدغام بغنة:
   
   يشمل الحرفين: ي، م

   • الغنة: صوت رخيم يخرج من الخيشوم.

   • مثال:

     • “مَن يَعْمَلْ” → تُقرأ: “مَيَّعمل”

     • “غفورٌ رحيم” → تُقرأ: “غفورٌ رَحيم” بإدغام التنوين في الراء.

2. إدغام بغير غنة:
   
   يشمل الحرفين: ل، ر

   • لا تصحب الإدغام غنة.

   • مثال:

     • “مِن ربهم” → تُقرأ: “مِرَّبهم”

     • “عليمٌ لطيف” → تُقرأ: “عليِمُّلطيف”

أمثلة قرآنية على الإدغام الكامل:

ثانياً: الإدغام الناقص

تعريفه: هو إدغام يبقى فيه أثر من الحرف الأول، وتحديدًا صفة الغنة، فيُدمج الحرف الأول في الثاني ولكن تبقى الغنة دالة عليه، فلا يذوب كليًا.

شروطه:

• أن تكون النون الساكنة أو التنوين قبل حرف الإدغام الناقص.

• أن يكون الحرف التالي من الحروف التي تُدغم فيها إدغامًا ناقصًا.

حرف الإدغام الناقص الوحيد: هو الواو والياء عند اتحاد المخرج مع النون الساكنة أو التنوين، ولكن الإدغام فيهما يُعد ناقصًا لأن الغنة تبقى.

السبب الصوتي: النون والياء والواو يجتمعون في صفات متشابهة من حيث الجهر والغنة، ولكن يختلف المخرج، ما يجعل الإدغام غير تام، وتبقى الغنة من النون ظاهرة.

أمثلة على الإدغام الناقص:

الفرق بين الإدغام الكامل والناقص

القاعدة التجويدية العامة للإدغام

تنص القاعدة على أن:

“إذا جاءت نون ساكنة أو تنوين، وبعدها أحد حروف الإدغام، وجب الإدغام، إما كاملًا أو ناقصًا بحسب الحرف”.

وليس الإدغام دائمًا واجبًا، فهناك حالات يمتنع فيها الإدغام، مثل التقاء النون الساكنة مع نفس الحرف في كلمتين منفصلتين، ولكنهما كُتبتا في المصحف متصلتين مثل “يس والقرآن”، أو في حالة “من مال” حيث يجوز الإظهار لمنع اللبس.

تطبيقات صوتية للإدغام

الصوتيات الحديثة تقر بأن الإدغام هو ظاهرة طبيعية في اللغة تُسهم في تسهيل النطق وتسريع الإيقاع الكلامي، وقد تناول علماء الأصوات الإدغام في العربية بوصفه عملية إدماجية phonological assimilation، تحدث عندما يتأثر حرف ساكن بالحرف المتحرك الذي يليه، ويندمج معه ليشكّلا وحدة واحدة.

وقد أشار ابن جني في “الخصائص” إلى أن الإدغام في العربية أُقر بسبب الميل إلى الخفة والتيسير في النطق، وهو ما تواطأ عليه العرب في كلامهم المنثور والمنظوم.

أهمية دراسة الإدغام في التلاوة

• تحقيق الأداء القرآني الصحيح: لأن الإدغام يُعد من الأحكام التي تتعلّق بكيفية تلاوة الحروف.

• التمييز بين المعاني: لأن الخطأ في الإدغام قد يؤدي إلى التباس في المعنى.

• ضبط مخارج الحروف وصفاتها: لأنه يُظهر أثر الغنة وصفات الجهر والشدة واللين في التلاوة.

• التطبيق العملي للتجويد: لأنه يدرّب اللسان على المهارات الصوتية الدقيقة.

جدول مقارنة بين أنواع الإدغام:

المراجع

1. ابن الجزري، “النشر في القراءات العشر”

2. عبد الفتاح القاضي، “البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة”